مقال اعجبني (من تجارب الأمم «1»)

من تجارب الأمم «1»
بسم الله الرحمن الرحيم

بصراحة هذي اول مشاركة لي في هذا المنتدى الجميل اتمنى ان تحوز على اعجابكم

جريدة عكاظ عدد 6\8\2010
ميسرة طاهر
كانت فيتنام تحارب الولايات المتحدة الأمريكية مدعومة من الاتحاد السوفيتي السابق، وما أن انتهت الحرب وبدأت القوات الأمريكية بالانسحاب حتى بدأ الاتحاد السوفيتي يقدم منحا دراسية للطلاب الفيتناميين بأعداد كبيرة، ويحدثني أحد الذين درسوا آنذاك في إحدى الجامعات الروسية عن مشاهداته ويقول: كان الطلاب الفيتناميون يوزعون إلى مجموعات صغيرة لا يزيد عدد أفرادها على خمسة طلبة، ويعين لهم مشرف منهم يكون عادة الأكبر سنا، والأكثر حكمة واتزانا من الناحية الأخلاقية والنفسية، ويقدم هذا المشرف تقارير شهرية لسفارة بلاده عن سلوك الطلبة، وكان الطالب عرضة لإلغاء بعثته إن هو ارتكب أية مخالفة، من قبيل التدخين، أو تعاطي المخدرات أو سواها، وحين يعود الطالب المخالف فإنه يلتحق مباشرة بسلك التجنيد الإجباري، الذي يعني المشقة بكل صورها، وكانت نسبة كبيرة من الطلاب يتقدمون لإدارة الجامعة طالبين السماح لهم باستقدام زميل آخر للدراسة دون أن يكلف الجامعة بمصاريف إضافية، بحيث يتقاسم معه المكافأة والسكن، ويبدو أنهم كانوا مدركين بصورة جيدة أن تقدم بلادهم مرهون بزيادة أعداد الحاصلين على المعرفة التي كان الاتحاد السوفيتي آنذاك متقدما فيها على بلادهم بأشواط بعيدة، وكانت بلادهم بحاجة ماسة لعودة هؤلاء المبتعثين بدرجات علمية ولكن بالمقابل بأخلاق إن لم تكن قد ارتقت فلا ينبغي أن تسوء أو تتردى، فهم لم يكونوا بحاجة لحملة الدرجات من المدمنين أو سواهم، ولقد تنبأ «ألفين توفلر» في كتابه «صدمة المستقبل» بأن التغيرات الحاصلة والمتوقعة ستصدم بعض الأفراد وتسبب لهم فقدانا في التوازن، واضطرابا في السلوك، فإذا كان يتوقع حصول ذلك للفرد الأمريكي فما بالنا بالشباب الذين ينتقلون من بلدانهم العربية والإسلامية إلى رحاب البلدان الغربية بكل ما فيها من تغيرات ومغريات، فكثيرون اعتادوا أن ينضبط سلوكهم بسبب مراقبة الأهل أو الخوف على السمعة، وحين ينتقلون إلى بلد البعثة حيث لا رقابة أهل، ولا رقابة مجتمع، ولا رقابة داخلية ذاتية كافية فإنهم بالتأكيد سيكونون معرضين للضعف أمام المغريات الكثيرة، سواء كانت مخدرات أو نساء، أو انحرافات فكرية، وهذه الأخيرة دليل واضح على أهمية إعادة النظر في آليات استدخال القيم والأفكار والمعتقدات الدينية في نفوس شبابنا وشاباتنا، ذلك أن الاضطراب الفكري والاعتقادي أكثر خطورة على الفرد من الانحرافات الأخلاقية والسلوكية، لأن الانحرافات السلوكية يسهل علاجها بعد فترة، بخاصة أنها ناتجة عن رغبة في إشباع بعض الاحتياجات وبخاصة الجنسية، ومع وجود ضمير حي عند الشخص الذي ينساق بسبب ضعفه وراء الجنس إلا أنه بعد فترة يعود ليتوازن، أما الانحرافات العقائدية والفكرية فخطورتها تكمن في تأثيرها المباشر على سلوك الفرد وعلى غيره، لذا كانت متابعة الأبناء والبنات في بلاد الدراسة قضية مهمة لأن مثل هذه الانحرافات بصورها المختلفة أخلاقية أو سلوكية أو عقائدية أو فكرية تترك آثارا عديدة على شخصياتهم ابتداء من ضياع جهودهم واضطراب دراستهم، وتراجع مستواهم التحصيلي، وانتهاء باضطراب شخصياتهم، مما يعني خسارة على مستوى الوطن وعلى المستوى الشخصي والأسري، فالوطن يخسر مالا أنفق على شخصيات كان يأمل أن تعود لتساهم في نهضته، وإذ بأمثال هؤلاء يعودون عالة عليه، يحتاجون للعلاج من إدمانهم أو من اضطرابهم النفسي والسلوكي، والأسر تصاب بخيبة أمل كبيرة في بعض أبنائها أو بناتها، فأمثال هؤلاء لا هم حصلوا على درجة علمية تنفعهم ولا هم عادوا كما ذهبوا بسلوك سوي أو شخصية متوازنة، وفي تجربة الفيتناميين ما يدعو إلى التفكير والتأمل، فمن يمنح الفرصة للدراسة، وينفق ما يقدم له من مال على المخدرات وسواها، يتوجب إعادته بسرعة قبل أن يصل الأذى إلى حد يصعب علاجه، فأبناؤنا بحاجة لأنفسهم تماما مثل حاجة أسرهم ووطنهم إليهم، فالهدف من ابتعاثهم رفع كفاءتهم وتيسير سبل العيش الكريم لهم ولأسرهم بعد عودتهم، إضافة لمساهمتهم في نهضة أمتهم، لأن نهضة الأمم ترتبط اليوم بما تملكه من كفاءات علمية شريطة أن تكون بمستوى أخلاقي مقبول إن لم يكن رفيعا.